سورة الأحقاف - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


{ياقومنا أَجِيبُواْ دَاعِىَ الله وَءامِنُواْ بِهِ} أرادُوا به ما سمعُوه من الكتابِ وصفُوه بالدَّعوةِ إلى الله تعالى بعدَ ما وصفُوه بالهدايةِ إلى الحقِّ والصراطِ المستقيمِ لتلازمِهما، دَعَوهم إلى ذلكَ بعدَ بيانِ حقِّيتِه واستقامتِه ترغيباً لهم في الإجابةِ ثم أكَّدُوه بقولِهم {يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} أي بعضَ ذنوبكم وهو ما كانَ في خالصِ حقِّ الله تعالى فإنَّ حقوقَ العبادِ لا تُغفرُ بالإيمانِ. {وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} معدَ للكفرةِ. واختُلفَ في أنَّ لهم أجراً غيرَ هذا أو لاَ والأظهرُ أنَّهم في حُكمِ بني آدمَ ثواباً وعقاباً. وقولُه تعالى: {وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِىَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِى الأرض} إيجابٌ للإجابةِ بطريقِ الترهيبِ إثرَ إيجابِها بطريقِ الترغيبِ، وتحقيقٌ لكونهم منذرينَ. وإظهارُ دَاعي الله من غيرِ اكتفاءٍ بأحدِ الضميرينِ للمبالغةِ في الإيجابِ بزيادةِ التقريرِ وتربيةِ المهابةِ وإدخالِ الرَّوعةِ، وتقييدُ الإعجازِ بكونِه في الأرضِ لتوسيعِ الدائرةِ أي فليسَ بمعجزٍ له تعالى بالهربِ وإن هربَ كلَّ مهربٍ من أقطارِها أو دخلَ في أعماقِها. وقولُه تعالى {وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء} بيانٌ لاستحالةِ نجاتِه بواسطةِ الغيرِ إثرَ بيانِ استحالةِ نجاتِه بنفسهِ. وجمعُ الأولياءِ باعتبارِ مَعْنى مَنْ فيكونُ من بابِ مقابلةِ الجمع بالجمعِ لانقسامِ الآحادِ إلى الآحادِ كما أنَّ الجمعَ في قولِه تعالى {أولئك} بذلكَ الاعتبارِ، أي أولئكَ الموصوفونَ بعدِ إجابةِ داعِي الله. {فِى ضلال مُّبِينٍ} أي ظاهرٌ كونَهُ ضلالاً بحيثُ لا يَخْفى على أحدٍ حيثُ أعرضُوا عن إجابةِ مَنْ هَذا شأنُه.
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} الهمزةُ للإنكارِ، والواو للعطفِ على مقدرٍ يستدعيهِ المقامُ. والرؤيةُ قلبيةٌ أيْ ألم يتفكَّروا ولم يعلمُوا علماً جازماً مُتاخِماً للمشاهدةِ والعيانِ {أَنَّ الله الذى خَلَقَ السموات والأرض} ابتداءً من غيرِ مثالٍ يحتذيهِ ولا قانونٍ ينتحيهِ. {وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ} أي لم يتعبْ ولم ينصَبْ بذلك أصلاً أو لم يعجزْ عنهُ. يقالُ عييتُ بالأمرِ إذا لم يُعرفْ وجَههُ. وقولُه تعالى: {بِقَادِرٍ} في حيزِ الرفعِ لأنَّه خبرُ أنَّ كما ينبىءُ عنْهُ القراءةُ بغيرِ باءٍ، ووجُه دخولِها في القراءةِ الأُولى اشتمالُ النفيِّ الواردِ في صدرِ الآيةِ على أنَّ وَمَا في حيزِها كأنَّه قيلَ: أو ليسَ الله بقادرٍ. {على أَن يُحْيِىَ الموتى} ولذلكَ أجيبَ عنه بقولِه تعالى: {بلى إِنَّهُ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ} تقريراً للقدرةِ على وجهٍ عامَ يكونُ كالبرهانِ على المقصودِ.


{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار} ظرفٌ عاملُه قولٌ مضمرٌ، مقولُه {أَلَيْسَ هذا بالحق} على أنَّ الإشارةَ إلى ما يشاهدونَهُ حينئذٍ من حيثُ هو من غيرِ أنْ يخطرَ بالبالِ لفظٌ يدلُّ عليهِ فضلاً عن تذكيرِه وتأنيثِه إذ هُو اللائق بتهويلهِ وتفخيمِه وقد مرَّ في سورةِ الأحزابِ، وقيل: هيَ إلى العذابِ وفيه تهكمٌ بهم وتوبيخٌ لهم على استهزائِهم بوعدِ الله ووعيدِه وقولِهم وما نحنُ بمعذبينَ {قَالُواْ بلى وَرَبّنَا} أكَّدُوا جوابَهُم بالقسمِ كأنَّهم يطمعونَ في الخلاصِ بالاعترافِ بحقِّيتها كما في الدُّنيا وأنَّى لهُم ذلكَ. {قَالَ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} بها في الدُّنيا ومَعْنى الأمرِ الإهانةُ بهم والتوبيخُ لهم. والفاءُ في قولِه تعالى: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل} جوابُ شرطٍ محذوفٍ أيْ إذا كان عاقبةُ أمرِ الكفرةِ ما ذُكِرَ فاصبرْ على ما يصيبكَ من جهتِهم كما صبرَ أولُو الثباتِ والحزمِ من الرسلِ فإنكَ من جُمْلتِهم بل من علْيتِهم ومِنْ للتبيينِ، وقيل: للتبعيضِ، والمرادُ بأُولي العزمِ أصحابُ الشرائعِ الذينَ اجتهدُوا في تأسيسِها وتقريرِها وصبرُوا على تحملِ مشاقِّها ومعاداةِ الطاعنينَ فيَها، ومشاهيرُهُم نوحٌ وإبراهيمُ وموسى وعِيْسَى عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ، وقيلَ: هم الصابرونَ على بلاءِ الله كنوحٍ صبرَ على أذيةِ قومِه، كانُوا يضربونَهُ حتى يُغشَى عليهِ، وإبراهيمُ صبرَ على النَّارِ وعلى ذبحِ ولدِه، والذبيحُ على الذبحِ، ويعقوبُ على فقدِ الولدِ والبصرِ، ويوسفُ على الجُبِّ والسجنِ، وأيوبُ على الضُرِّ، ومُوسى قال له قومُه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ} وداودُ بكى على خطيئتِه أربعينَ سنةً، وعيْسَى لم يضع لبنةً على لبنةٍ صلواتُ الله تعالَى وسلامُه عليهم أجمعينَ.
{وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} أي لكُفَّارِ مكةَ بالعذابِ فإنَّه على شرفِ النزولِ بهم {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} من العذابِ {لَّمْ يَلْبَثُواْ} في الدُّنيا {إِلاَّ سَاعَةً} يسيرةً {مّن نَّهَارٍ} لما يشاهدونَ من شدةِ العذابِ وطولِ مدتهِ. وقولُه تعالى {بَلاَغٌ} خبرٌ مبتدأٍ محذوفٍ، أي هَذا الذي وُعظتم بهِ كفايةٌ في الموعظةِ أو تبليغٌ من الرسولِ ويُؤيدُه أنَّه قرئ: {بلغ}، وقرئ: {بلاغاً} أي بلغُوا بلاغاً {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون} أي الخارجونَ عن الاتِّعاظِ أو عن الطاعةِ. وقرئ بفتحِ الياءِ وكسرِ اللامِ، وبفتحِهما، منْ هَلِكَ وهَلَكَ، وبنونِ العظيمةِ من الإهلاكِ ونصبِ القومِ ووصفِه.
عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأَ سورةَ الأحقافِ كُتبَ له عشرُ حسناتٍ بعددِ كلِّ رملةٍ في الدُّنيا».

1 | 2 | 3 | 4 | 5